قوله تعالى: {إذا وقَعَتِ الواقعةُ} قال أبو سليمان الدمشقي: لمّا قال المشركون: متى هذا الوعد، متى هذا الفتح؟! نزل قوله: {إِذا وَقَعَتِ الواقعةُ}، فالمعنى: يكون إذا وقعت الواقعة. قال المفسرون: والواقعة: القيامة، وكل آتٍ يتوقع، يقال له إذا كان: قد وقع، والمراد بها هاهنا: النَّفخة في الصُّور لقيام الساعة.{ليس لِوَقْعَتِها} أي: لظُهورها ومَجيئها {كاذبةٌ} أي: كذب، كقوله: {لا تَسْمَعُ فيها لاغيةً} [الغاشية: 11] أي: لغواً. قال الزجاج: و{كاذبة} مصدر، كقولك: عافاه الله عافيةً، وكَذَب كاذبةً، فهذه أسماء في موضع المصدر. وفي معنى الكلام قولان:أحدهما: لا رجعةَ لها ولا ارتداد، قاله قتادة.والثاني: ليس الإخبار عن وقوعها كذباً، حكاه الماوردي.قوله تعالى: {خافضةٌ} أي: هي خافضة {رافعةٌ} وقرأ أبو رزين، وأبو عبد الرحمن، وأبو العالية، والحسن، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة، واليزيدي في اختياره: {خافضةً رافعةً} بالنصب فيهما. وفي معنى الكلام قولان:أحدهما: أنها خفضتْ فأسمعتِ القريبَ، ورفعتْ فأسمعتِ البعيدَ، رواه العوفي عن ابن عباس. وهذا يدل على أن المراد بالواقعة: صيحة القيامة.والثاني: أنها خفضت ناساً، ورفعت آخرين، رواه عكرمة عن ابن عباس. قال المفسرون: تخفض أقواماً إلى أسفل السافلين في النار، وترفع أقواماً إِلى عِلِّيِّين في الجنة.قوله تعالى: {إذا رُجَّتِ الأرض رَجّاً} أي: حُرِّكتْ حركةً شديدةً وزلزلتْ، وذلك أنها ترتجُّ حتى ينهدم ما عليها من بناءٍ، ويتفتَّت ما عليها من جبل. وفي ارتجاجها قولان:أحدهما: أنه لإماتة مَن عليها من الأحياء.والثاني: لإخراج من في بطنها من الموتى.قوله تعالى: {وبُسَّتِ الجبالُ بَسّاً} فيه قولان:أحدهما: فُتِّتت فَتّاً، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. قال ابن قتيبة: فُتِّتتْ حتى صارت كالدَّقيق والسَّويق المبسوس.والثاني: لُتَّتْ، قاله قتادة. وقال الزجاج: خُلِطتْ ولُتَّت. قال الشاعر:لا تَخْبِزوا خَبْزاً وبُسَّا بَسَّا ***وفي الهَباء أقوال قد ذكرناها في [الفرقان: 23]. وذكر ابن قتيبة أن الهَباء المُنْبَثّ: ما سطع من سنابك الخيل، وهو من الهَبْوَة والهَبْوَة: الغُبار. والمعنى: كانت تراباً منتشراً.قوله تعالى: {وكنتم أزواجاً} أي: أصنافاً {ثلاثةً}.{فأصحابُ الميمنة} فيهم ثمانية أقوال.أحدها: أنهم الذين كانوا على يمين آدم حين أُخرجت ذُرِّيَّتهُ مِنْ صُلبه، قاله ابن عباس.والثاني: أنهم الذين يُعْطَون كتبهم بأيمانهم، قاله الضحاك، والقرظي.والثالث: أنهم الذين كانوا ميامين على أنفُسهم، أي: مبارَكين، قاله الحسن، والربيع.والرابع: أنهم الذين أُخذوا من شِقِّ آدم الأيمن، قاله زيد بن أسلم.والخامس: أنهم الذين منزلتهم عن اليمين، قاله ميمون بن مهران.والسادس: أنهم أهل الجنة، قاله السدي.والسابع: أنهم أصحاب المنزلة الرفيعة، قاله الزجاج.والثامن: أنهم الذين يؤخذ بهم ذاتَ اليمين إلى الجنة، ذكره علي بن أحمد النيسابوري.قوله تعالى: {ما أصحابُ المَيْمَنة} قال الفراء: عجَّب نبيَّه صلى الله عليه وسلم منهم؛ والمعنى: أيُّ شيء هُمْ؟! قال الزجاج: وهذا اللفظ في العربية مجراه مجرى التعجب، ومجراه من الله عز وجل في مخاطبة العباد ما يعظم به الشأن عندهم، ومثلُه: {ما الحاقّة} [الحاقة: 2] {ما القارعة} [القارعة: 2]؛ قال ابن قتيبة: ومثلُه أن يقول: زَيدٌ ما زَيدٌ! أي: أيُّ رجُل هو! {وأصحابُ المشأمة ما أصحابُ المشأمة} أي: أصحاب الشمال، والعرب تسمِّي اليدَ اليسرى: الشُّؤمَى، والجانبَ الأيسر: الأشأم، ومنه قيل: اليُمْن والشُّؤم، فاليُمْن: كأنه ما جاء عن اليمين، والشؤم ما جاء عن الشمال، ومنه سمِّيت اليَمَن والشّأم لأنها عن يمين الكعبة وشمالها. قال المفسرون: أصحاب الميمنة: هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين، ويعطَون كتبهم بأيمانهم؛ وتفسير أصحاب المشأمة على ضد تفسير أصحاب الميمنة سواء؛ والمعنى: أيُّ قوم هم؟! ماذا أُعِدَّ لهم من العذاب؟!.قوله تعالى: {والسابقون السابقون} فيهم خمسة أقوال.أحدها: أنهم السابقون إلى الإيمان من كل أُمَّة، قاله الحسن، وقتادة.والثاني: أنهم الذين صلّوا إلى القِبلتين، قاله ابن سيرين.والثالث: أهل القرآن، قاله كعب.والرابع: الأنبياء، قاله محمد بن كعب.والخامس: السابقون إلى المساجد وإلى الخروج في سبيل الله، قاله عثمان بن أبي سودة.وفي إِعادة ذِكْرهم قولان:أحدهما: أن ذلك للتوكيد.والثاني: أن المعنى: السابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله ذكرهما الزجاج.قوله تعالى: {أولئك المقرَّبون} قال أبو سليمان الدمشقي: يعني عند الله في ظل عرشه وجواره.